أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن، واجه الجنرال «جينز ستولتنبيرج»، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، مهمة لا يُحسد عليها، هي تهدئة المخاوف بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنسحب من الحلف في ظل ضغوط الرئيس ترامب لفعل ذلك. ولم يخف ترامب أبداً ازدراءه لـ«الناتو». وكشفت تقارير حديثة أنه هدّد في أحاديثه الخاصة بالانسحاب منه، وهو ما أفضى إلى استقالة جيم ماتيس من منصبه وزيراً للدفاع بسبب اختلافه الشديد مع الرئيس حول أهمية «الناتو»، الأمر الذي أثار احتمالية حقيقية بأن ترامب قد يضغط بالفعل على «زناد تويتر».
لكن رغم أن هذه المخاوف بشأن القيادة الأميركية في «الناتو» غير مألوفة، فإنها ليست غير مسبوقة. والحقيقة أن هذه المخاوف قديمة قدم «الناتو» نفسه. فقد خاض الحلف مرحلة مأساوية في تاريخه قبل 68 عاماً. ففي بداية فبراير 1951، حدث سجال مماثل في واشنطن بشأن أمن أوروبا. وزعم القادة الجمهوريون أن نشر قوات أميركية في أوروبا لتعزيز «الناتو» لا يصب في المصلحة العليا للبلاد. واعتبروه أمراً غير ضروري، لاسيما أن روسيا قد تعتبره استفزازياً، ومن ثم يؤجج حرباً معها.
لكن تلك الحجة وجدت سبيلها إلى أبرز السياسيين في ذلك العصر وربما أكثرهم شهرة، وهو دوايت أيزنهاور. فقد طلب الرئيس هاري ترومان، المتلهف على إنقاذ سياساته الرامية إلى تعزيز أمن أوروبا ضد التهديد السوفييتي، من أيزنهاور ترك منصبه كرئيس لجامعة كولومبيا، وارتداء زيّه العسكري مرة أخرى كأول قائد عسكري لـ«الناتو»، الحلف الذي تأسس عام 1949، وكان لا يزال قيد التشكيل. وعُهد إلى «أيزنهاور» تشكيل هيكل قيادته العسكرية، وتحفيز الدول الأوروبية على إعادة بناء جيوشها، وحشد تأييد شعبي لإرسال القوات الأميركية إلى أوروبا. وكانت جلّ هذه الأمور بمثابة تحديات جسيمة.
وانتقد السيناتور «روبرت تافت»، وكان يعد المرشح الجمهوري الأوفر حظاً للرئاسة في عام 1952، أيَّ دور كبير للولايات المتحدة في «الناتو». والرئيس الجمهوري الوحيد الذي كان لا يزال على قيد الحياة «هاربرت هوفر»، كان قد انتقد أيضاً الحلف بقوة، إلى جانب تعيين «أيزنهاور» نفسه، وظهر في برامج تلفزيونية وفي شهادة أمام الكونجرس للمطالبة بإنهاء إرسال قوات إلى أوروبا. ووجدت هذه الحجج صداها لدى كثير من الأميركيين القلقين من الحرب، والذين سألوا بصورة مبررة: لماذا نحن؟ ولماذا الآن؟
وفي ظل المصداقية والمكانة الفريدة لأيزنهاور، كانت مهمته المحورية هي الدفاع عن الحلف في ظل هذه الموجة العاتية من المعارضة. وكان مدافعاً قوياً عن ما وُصف آنذاك بـ«المصلحة الخاصة المستنيرة» للولايات المتحدة في قيادة «الناتو». وأظهرت حملته الرامية إلى إنقاذ «الناتو» مهارته السياسية التي سرعان ما حملته إلى البيت الأبيض.
وطوال ثلاثة أسابيع في يناير 1951، جاب أوروبا للقاء قادة بارزين وتقييم الوضع. ثم سافر إلى واشنطن لطرح قضيته بأسلوب مؤثر. وفي الأول من يناير مثل أمام غرفتي الكونجرس في قاعة المكتبة، بينما سجّل المراسلون كلماته لنشرها كاملة في صحف اليوم التالي.
ورغم أن أوروبا كانت تحتاج للمساهمة بدرجة أكبر، كانت التحديات واضحة أمام أميركا: فتكلفة السلام ستكون تضحية فردية ووطنية.
لكن أيزنهاور نجح في تعزيز الشعور بالثقة والاطمئنان بشأن القيادة الأميركية، وحيّد المعارضة المتزايدة لـ«الناتو».
والآن، وبينما نقترب من الذكرى السبعين لإنشاء الحلف، علينا أن نفوّض الكونجرس لقبول هذه المهمة في ظل ظروف أصعب، بينما يبدو القائد الأعلى متحمساً لتقويضه، ولسوء الحظ فأيزنهاور ليس موجوداً لتقديم المساعدة!

ديريك تشوليت*
*نائب الرئيس التنفيذي لصندوق مارشال الألماني
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»